مثال موافقة المعتزلة للخوارج في مرتكب الكبيرة
أما في جانب العمل فنأخذ مثالاً آخر، وهو الجاحظ المعروف بكتبه التي تملأ المكتبات، وقد كتبت عنه رسائل دكتوراه وماجستير، وعقدت ندوات أدبية عنه، وهو على مذهب المعتزلة ، ويقرر تكفير صاحب الكبيرة، وله رسالة يكفر فيها معاوية رضي الله تعالى عنه وعمرو بن العاص وأمثالهما، فهو على مذهب الخوارج الذين يكفرون الناس، والخوارج و المعتزلة يلتقون في الغلو في هذا الأمر، وإن كان المعتزلة قد يتورعون ولا يطلقون الكفر على مرتكب الكبيرة، بل يقولون هو في منزلة بين منزلتين، لكنهم يتفقون مع الخوارج على أنه خالد مخلد في النار، فهم وإن اختلفوا في الاسم فقد اتفقوا في الحكم، لكن بعضهم يصرح أن مرتكب الكبيرة كافر فعلاً مثل معاوية رضي الله تعالى عنه وغيره، ويسب أهل السنة والجماعة الذين لا يعتقدون تكفيره، فهذا الجاحظ كان فاسقاً ماجناً خليعاً في حياته، وكتبه تنطق بذلك، فلم يكن متمسكاً ولا مستقيماً على ما شرع الله، وهو الذي يقرر ويقعد ويؤصل أن الذي يرتكب الكبيرة يكون كافراً، وفيه من الكبائر ما فيه، ولو لم يكن فيه إلا ما حشا به كتبه -غير مسائل العقيدة الفاسدة- من أخبار الفجور والزنا والخمر وما أشبه ذلك دون تعقب وكأنه يقره.فالمقصود أنه إذا كان أهل الغلو والتشدد في التمسك والطاعة في نظرهم كـالخوارج و المعتزلة يقع منهم الانحلال، وتفشو المفاسد والمعاصي والذنوب فيهم، فكيف بمن يرى أن الإيمان هو ما في القلب فقط، فإن هذا يمكن أن يعمل أي شيء، فهو أجدر وأحرى وأولى أن يكون منه ذلك.